القائمة الرئيسية

الصفحات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسعدنا جدا زيارتكم لصفحتنا ...قراءة ممتعة

الموانئ وأثرها في تنشيط الحركة التجارية في بلاد المغرب القديم ( 146ق م- إلى غاية الإحتلال الوندالي )

إن ظهور الإتحاد المغاربي الحالي جاء استناداً إلى معاهدات وقّعت بين جميع أطراف الدول المشاركة فيه، لأجل خلق مشروع تعاون وتكامل اقتصادي، وهذه المبادرة ليست تقليدا لما شاهدته التغيرات العالمية الحالية من تكتلات سياسية واقتصادية فحسب، بل الفكرة متأصلة ضمن تاريخه العريق وأن التجربة التاريخية لقرون طويلة برهنت على مدى فعالية المسألة بحكم المقومات الحضارية والتاريخية المشتركة بين بلدانه. 

 كما أن التكتلات الاقتصادية الحالية أصبحت تمليها الضرورة والمصلحة الاقتصادية العامة لمواجهة الأخطار والتحديات العالمية، وبالتالي لم يعد هنالك للتشتت والتفرد مجالا. إذ اجتمعت أمم متباعدة عرقيا ودينيا لتشكل تجمعات اقتصادية لها وزنها في النظام العالمي الجديد، بل والأدهى من ذلك أن أصبحت هذه الدول تتحكم في مصير الشعوب الأخرى. وعليه، أضحى من الضروري اتخاذ خطوات جادة لتوحيد المنهج الاقتصادي، انطلاقا من بلورة معالمه على ضوء رصيدنا الفكري المستمد من حضارتنا وتراثنا. ولا يتأتّى هذا التكامل والتعاون الاقتصادي إلاّ بإلغاء القيود التي تعرقل حركته، وذلك بتجميع وتعبئة الموارد الإنتاجية والبشرية والمالية المتوفرة لدى هذه الدول وتسخيرها من أجل اقتصاد موحد، تتوافر فيه حرية انتقال السلع والأشخاص ورؤوس الأموال. 

 و لأجل ذلك أسعى من خلال هذا المقال تقريب عملية التبادل التجاري التي مارستها مدن بلاد المغرب خلال العصر الوسيط، وبالتحديد القرن الرابع الهجري/10م، لأنه قرن اتسم بالانتعاش الاقتصادي من جهة، وبالتنافس والصراع بهدف التحكم في منافذ تجارة الذهب والرقيق والملح من جهة أخرى.

_ تحكمت خلال هذا القرن عوامل أساسية طبيعية وبشرية، في هذا التبادل، إذ كان لموقع بلاد المغرب الجغرافي، الذي يمتد على سواحل بحر الرّوم (البحر الأبيض المتوسط) وبحر المحيط (المحيط الأطلسي) من جهة، واتصاله بالصحراء الكبرى من جهة أخرى، دورا في توفيّر اتصال تجاري بحري وبري واسع مع الكثير من الأقطار المجاورة والبعيدة منه. كما لا يخفى أن بلاد المغرب خلال القرن الرابع الهجري/10م خضعت إلى حكم الفاطميين وخلفائهم من بني زيري بعد خروجهم إلى مصر، ضف إلى ذلك تأرجح بعض المناطق بين النفوذ الفاطمي حينا وأموي بلاد الأندلس أحايين أخرى. 

هذا وقد مورست ولو بشكل مؤقت سلطة بعض القبائل المغربية في مناطق المغرب الأوسط والأقصى، مما ترتب عن هذا الوضع حالة عدم استقرار. والظاهر أنه، باستثناء ظاهرة قطع السبيل وهي شائعة في كل زمان ومكان، لم تتأثر حركة التبادل الداخلية كثيرا بالأحوال العامة التي طبعتها الاضطرابات المتتالية من ثورات وحركات معارضة، أو بتلك الضرائب التي فرضت على أغلب السلع والبضائع المصنوعة محليا والواردة من الخارج، بعضها كانت رسمية فرضتها السلطة الحاكمة، والبعض الآخر فرضتها سلطة بعض القبائل المقيمة في مناطق سير الطرق التجارية، وخاصة الصحراوية منها. وعلى عكس من ذلك، انعكست مظاهر الآثار الإيجابية للجانب السياسي في تأسيس مدن عديدة كمراكز سياسية واقتصادية، والتي كان لها أثر مهما في حركة النشاط التجاري المحلي والخارجي.

 ففي إفريقية أسست المهدية عام (300هـ/912م) وأنشئت القاسمية في عام (305هـ/917م)، حيث انتقل إليها التجار وأهل الصناعات. وفي عام (336هـ/947م) تم بناء المنصورية، ونقلت إليها أسواق المهدية والقيروان بسبب ثورة "أبي يزيد مخلد بن كيداد الزناتي".

 وأنشئت في المغرب الأوسط المسيلة في عام (313هـ/925م) و أشير في عام (334هـ/945م) وقد كانت لكلتي المدينتين، وخاصة المسيلة دور مهم في النشاط التجاري. وكانت ظاهرة تأسيس مدن جديدة في بلاد المغرب، تقوم في الغالب على حساب مدن أخرى فقدت أهميتها الاقتصادية لأسباب سياسية، وبالتالي انعكس ذلك على نشاطها الاقتصادي.

     فمثلا تيهرت كانت مركزا تجاريا وزراعيا ورعويا مهما في القرن الثالث الهجري/9م، لكن عندما فقدت مكانتها السياسية بعد انتهاء الإمارة الرستمية على يد الفاطميين، تراجعت مكانتها الاقتصادية وبخاصة التجارية منها، فانتقل النشاط الاقتصادي إلى مدن أخرى مثل المسيلة وأشير. وبالمثل، شهدت المهدية مصيرا مماثلا، إذ كانت كثيرة التجارة إلاّ أن أحوالها قد اختلفت بعد ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد الزناتي، فانتقل أكثر أهلها إلى مدينة المنصورية، وهذا يعني أنه كان للعامل السياسي أثار سلبية على النشاط التجاري مثلما له أثار ايجابية. وباستثناء بعض الحالات، تأكد أنه تم نقل السلع والبضائع خلال هذا القرن في ظروف عادية، دون أي عائق بين مختلف الأقاليم، عبر مختلف المسالك والطرق التجارية البرية والبحرية منها، إذ تقاربت في ما بينها اقتصاديا في إطار التبادل السلعي المدعم بشبكة من المسالك والطرق التجارية. أولا : شبكة المسالك والطرق التجارية لقد خففت شبكة المسالك والطرق من صعوبة المواصلات بين المناطق الداخلية والساحلية، هذا وعملت على الربط بين المراكز الصحراوية والمدن الرئيسية. 

وبذلك أصبحت المنطقة الصحراوية منطقة ربط بين أقاليم المغرب المختلفة وليست مجالا معزولا. بدأت شبكة المسالك والطرق على مر العصور من مركز وانتهت بمركز آخر، وكان نشاط حركتها هو الذي يحدد أهمية تلك المراكز. 

وهنا يأتي عامل الموقع ودوره في نمو المركز وتحويله إلى مدينة بأبعادها الحضارية على طول الطرق الرابطة بين جميع الجهات المحلية والعالمية. وبالتالي نقف أمام مسألة البنية التاريخية ودورها في تنظيم وتطوير هذه الشبكة من جهة، وتطرح أيضا في الجوانب السلبية الأخرى من حيث الإهمال والتخريب والعرقلة بإفساد السابلة. 

واتخذت مقاييس لقياس المسافات القصيرة والطويلة، وهي لا تختلف عن مثيلتها في بلاد المشرق، مثل المرحلة، والذراع، والفرسخ، والميل، واليوم. ثانيا : الأسواق وقد شكلت الأسواق عصب الحياة الاقتصادية في المجتمع المغربي، وهذا ما عكسته الأدبيات التراثية المختلفة، من حوليات تاريخية وجغرافية وكتب حسبة ونوازل فقهية وغيرها.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

للاستفسار اكتب تعليق

close
Banner iklan disini